هل تذكر برامج الكرتون المختلفة والخيال العلميّ الّتي تعرض أجهزة قراءة الأفكار، أو المواهب الخارقة الّتي يُمكنها ذلك، هل صدّقت الفكرة أو شكّكت فيها؟ 

دعنا نفكّر في الأمر من جديد: هل تتخيّل أنه يمكننا قراءة أفكارك الآن، وأنّنا نعلم عنك الكثير من الأشياء، كصانع محتوى عمومًا، وككاتب محتوى بشكلٍ خاص؟

لا تتخيّل عزيزي القارئ، فنحن نفعل ذلك بالفعل! وقبل أن تنفي الأمر، تعال معي لأثبت لك. نعم، لن أعلّق لك أسلاكًا ملوّنة، ولن نضع حلّة من الألومنيوم على رأسك، ولكن لنا طرقنا في ذلك! هيّا بنا، لنكشف عمّا يدور في ذهنك، للعالم.

1. الهرب من البداية

"أنا غير قادر على بدء الكتابة! ما هذا الثّقل في في كفّي؟ ما الّذي سيحوّل هذه الشاشة/الورقة البيضاء إلى مهمّة متناسقة إبداعيّة؟"

نعم، إنّنا نسمع أصداء هذا الفزع، الّذي يجرّك بعيدًا عن صفحة الكتابة في جهازك، أو على أوراقك.

عندما تكون بصدد البدء في نصٍ جديد، ومهمّة تتطلب التسليم، ستقفز فارًا ومماطلًا، من متصفّح لأخر. حيث يبدو كلّ شيء رائعًا حينها، ستزهو في عينك القراءة عن فوائد الكرفس، أو مشاهدة كيف تمّ إنقاذ قطّة ضائعة في الهند على اليوتيوب، ستجرّك العناوين واحدًا تلو الأخر، ويزداد معها الشّعور بالثقل، ويصعب عليك البدء، وتتعقد الأمور شيئًا فشيئًا.

ولكن لا بأس عزيزي القارئ، نحن لسنا هنا لمجرّد التجسس عليك، ولكن لنُعطيك الحلّ أيضًا.

أنت في هذه الأثناء "تعتقد" بأنّك غير قادر على الكتابة أو البدء، ولكن كل هذه الأفكار ليست إلّا محض وهم. مفرداتك لم تفنى، ولم تُسرق، إنّها ما زالت موجودة هناك، في عقلك ونفسك. فقط، أنت تحتاج أن تضرب هذا الشّعور وهذه الأفكار عرض الحائط، وتبدأ.

قاعدة الدقيقتين

هذه القاعدة التي تكلم عنها جيمس كلير في كتاب (Atomic Habits- العادات الذريّة) طريقة ممتازة لتفكّك جبل المهمّة الصعبة إلى أحجار صغيرة وبسيطة، يمكنك تحريكها بسهولة.

تدلّك القاعدة على أن تبدأ أي مهمة ترغب في إتمامها لمدّة دقيقتين فقط، فمثلًا، إذا كنت تودّ إكمال قراءة كتاب من 400 صفحة، ضع هدفًا واحدًا، ليس أن تُكمله، ولكن أن تقرأ صفحة واحدة فقط منه في وقت لا يتعدى الدقيقتين. كذلك في الكتابة، لا تضع في حسبانك أنّك ستكمل المهمّة كاملة، ولكن اكتب جملة صغيرة واحدة فقط خلال دقيقتين، ولا داعي إلى أن تكون هذه الجملة مثالية.

ربما تعتقد أنّ المهمة لن تكتمل أبدًا إن عملت لمدّة دقيقتين فقط، ولكن صدّقني يا صديقي الكاتب، ستُفاجأ بما سيحدث بعد هذه الجملة، وستشكرها عند موعد التسليم، لأنّ هذه الدقيقتين ستجرّ وراءها دقائق أكثر، وهذه الجملة الوحيدة، ستُشعرك بأنّك قادر، وستُكمل.

2. كيف سأطبّق كل هذا؟

حينما تبدأ بأخذ كتابة المحتوى على محمل الجدّ، وتدقّ باب الكتابة كمجال عمل، وتبدأ البحث والسؤال عن (الخطوات الّتي تجعلك كاتبًا محترفًا) أو (كيف تعدّ استراتيجية للمحتوى) ستجد سيلاً من الخطوات والنصائح.

 لا بدّ أنّك في نقطة ما، تأمّلت النصائح المدوّنة في مذكّرتك بعد دورةٍ تدريبيّة، أو تلك الّتي ألقاها في وجهك فيديو تعليميّ دفعة واحدة، وتساءلت "كيف سأُطبّق كل هذا!".

طبّق خطوة واحدة في كل مرة

هذا الشعور رغم ربكته، طبيعيّ جدًا. هوّن عليك، وتذكّر، أنّها رحلة وليست محطّة، ستكون الكتابة رحلة كاملة، وعمليّة تراكميّة، عند كلّ محطة ستمشي خطوة.

ستدرك لاحقًا، أنّه لا ينبغي عليك تعلّم كل هذا دفعة واحدة، أنت لم تصل إلى هذه النقطة حيث تستطيع القراءة والكتابة من أوّل يومٍ مدرسيّ.

 فتعلّمت كيف تمسك القلم أولًا، ثم كيف تكتب الحروف، وكيف تجمعها لتكتب كلمات كـ "أمي/ أبي/ تفاحة" من ثمّ كيف تضعها في سياق جملة، وبعد كلّ هذا، بدأت قادرًا على فكّ معاني النصوص، وصياغتها بشكل جيّد.

بدلًا من أن تركّز على تطبيق كل الخطوات في كل مرة وتجد نفسك مشتتًا مثقلًا، فقط حاول تطبيق خطوة أو معلومة واحدة في كلّ مرة.

هكذا، إذا طبّقت معلومة واحدة في كل مرة، ستجد نفسك تتقدّم دون إجهاد، ومع تكرار ما تعلمته قبلها، ستتُقن الكتابة تدريجيًا، وستجد أن كل الخطوات الّتي سببت لك أرقًا في البداية صارت من البديهيات، مثل كلمة "أمّي وأبي".

3. "نصّي ليس كافيًا"

بعد ساعاتٍ طويلة من تشكيل النص وتعديله، يصل وقت التّسليم، وتصل للنسخة النهائية. تحدّق فيه لوهلة ويتردد في ذهنك "ما هذا النّص؟ إنّه ليس جيدًا كفاية!" وتساورك تبعًا لذلك رغبةٌ ملحّة في التخلّص منه، وتحدّث نفسك "احذفه قبل أن يكتشفه أحد، إن ظهر هذا النص للعلن، سيدمّرك!".

هدّئ من روعك عزيزي الكاتب، والحقيقة أنّني لا أسمع صوتك في هذا الموقف، وإنّما أسمع صوت النّاقد المتضخّم فيك، والطّموح الّذي يسعى للأفضل والمثاليّة دائمًا. ولكن دعني أصدم هذه الشخصيّة المثاليّة في نفسك، وأخبرك: لن يكون نصّك مثاليًا قط!

المثالية تشبه الدّوامة، إن وقعت فيها، ستظلّ تركض في حلقة مفرغة لا نهاية له. ملاحظتك للفجوات في نصّك، أمر لا غنى عنه. ولكن ما إن يتحوّل هذا إلى هوسٍ شديد، لن تتمكن أبدًا من نشر نصٍ جديد، أو المضيّ قدمًا، لأنّك ستشعر دومًا بأنّ ما تكتبه لا يستحق.

أعود لأخبرك: تجاهل هذه الشخصيّة المثالية داخلك، دعها تتحدّث، ولكن لا تُعرها اهتمامًا. وتخلّص من قيودها بطريقتين:

استعِن بـقارئ للنسخة التجريبية beta-reader

لا تحكم بعينك فقط، ولكن احكم بعين شخصٍ أخر، واعرض نصّك قبل نشره على قارئ من أصدقائك (beta-reader) بحيث يعطيك رأيًا موضوعيًا، عن جوانب الضعف والقوّة، وإذا كان هناك ما يحتاج التعديل.

هذا من شأنه أن يهدّئ من روعك، ويعطيك دفعة، وبعض الثقة لكيلا تدفن النّص، ولكي تنشره.

عالِجها بالصدمة 

إذا لم يكُن عرض النص على قارئ قبل نشره، وتلقّي الدعم كافيًا، فلا بدّ أن تحلّ الأمر مع تلك الشخصية المثاليّة.

عالِجها بالصدمة! انشر النّص الّذي تعتقد أنّه ليس جيّدًا كفاية، اسمح لنفسك أن تُخطئ، فاجئها، وخالف توقّعاتها وأمنياتها، وتحرّك وأنت لست جاهزًا.

 مرّة تلو الأخرى، ستضعف المثاليّة، وسيخمد صوتها وتأثيرها.

4. خيانة الكتابة

في نقطة ما من مشوار الكتابة، عندما تسير الأمور بشكلٍ روتينيّ، متعثّر، أو حتى بشكلٍ ممتاز، يختفي حماسك على حين غفلة! ولا ترغب بعدها في الاستمرار، ولا طاقة لديك لإكمال المشوار.

يزداد الأمر سوءً مع الشعور بالذّنب الّذي يجرّه معه، بأنّك تخذل الكاتب الطّموح فيك، وتشعر بأنّك "خائن" لهذه المَلَكة، فالكلّ على مواقع التواصل الخاصة به، يتغزّل في الكتابة ليلًا نهارًا، يحتفي بإنجازاته، ولكن من النادر أن يخبرك أحدهم أنّه مع حبّه الشديد للكتابة، يفقد الرغبة فيها أحيانًا، ويرغب في الانسحاب من المشوار.

أحد أكثر الكتب مبيعًا لسيمون سينك (القائد أخر من يأكل- Leaders eat last) مرّ بهذه التجربة، أثناء إعداد الكتاب، وقرر الانسحاب، وشارك تجربته بشأن ذلك.

حسنًا، دعني أخبرك مجددًا أيّها الكاتب الشّاب: أنت مخطئ، لستَ خائنًا بأيّ شكل. أنت فقط تحتاج أن تتوقف قليلًا عند محطّة بنزين، وتُعيد شحن طاقتك، وحماسك.

تتنوّع الطرق الّتي يمكنك أن تعيد شحن طاقتك من خلالها، فمثلًا: ابتعد لبعض الوقت عن ضجيج العمل، جرّب شيئًا جديدًا، شاهد فيلمًا، أو اقرأ كتابًا، أو لا تفعل شيء على الإطلاق! فقط تنفّس، وتفنن بفعل "اللا شيء".

لا تشعر بالذّنب، أو النّقص بسبب هذا الشعور الطبيعيّ، فقط اكتشف طريقتك الخاصّة في الراحة، لتُعيد إيقاد حماسك كلّما انطفأ، ولتعود مجددًا لميدان الكتابة بعد استراحة محارب.

كيف قرأتُ أفكارك؟

أنا أُقدّر الكتّاب، وأحبّ مشاركتهم أسرار المهنة، ولهذا صديقي الكاتب، لا يمكنني أن أُخفي عليك سرّ قدرتي على قراءة أفكارك الخاصّة، الّتي تقبع في مكان بعيد داخل عقلك.

السّر يا صديقي: أنّها أفكاري أيضًا! نعم، لستَ وحدك، جميعنا نمرّ بمثل هذه المشاعر، حالات الإحباط والارتباك وأكثر منها، ولكننا فقط لا نشاركها غالبًا على العلن، نحبّ الاحتفاء بالإنجازات، ونغفل عن تقاسم الصّعاب، فتفقد الأمور واقعيّتها.

عندما تمرّ بهذه المحطات مجددًا، لا تشعر بأنّك حالة غريبة، وغير مألوفة. ولكن المهم، أن تكتشف نهجًا يساعدك في الاستمرار، تبني دستورًا مصغرًا لك، تدوّن فيه بعض الحيل الّتي تطرد هذه الحالات من إحباطٍ وارتباك، كلّ ذلك، لتستمر، ولتُثري العالم وتنيره بأفكارٍ ونصوص جديدة.

والآن، بعدما أطلعتك على سرّي الصغير، دعنا نُوقِع بكاتبٍ أخر: حذّر صديقك الكاتب أنّنا نتجسس عليه، وبإمكاننا قراءة أفكاره، وأثبت له ذلك بمشاركة المقال معه!