أثناء رحلتي في كتابة المحتوى، كنتُ أخوض محادثاتٍ طويلة مع أحرف اللغة العربية، وأتأمل كل كلمة تكتبها أصابعي، كنتُ أبحث دومًا عن الإبداع، حتى أعتقدتُ أنه مقترن بالأفكار خارج الصندوق.

لذا أثار فضولي أن أخوض رحلتي داخل الصندوق، وابحث عن محتواه أولًا كي أستطيع فهم خارجه، واليوم سأنقل لكم كل ما تعلّمته عن الأفكار، آلية عمل العقل، الكتابة الإبداعية، وكيفية التخلص من قفلة الكتابة.

من أين تأتينا الأفكار؟ 

لقد خلق الله سبحانه وتعالى ذهن الإنسان في غاية التعقيد والتركيب والعُمق، تدخل الأفكار لأذهاننا عن طريق حواسنا الخمس؛ كالرؤية، الشم، السمع، التذوق، واللمس، وعن طريق ذاكرتنا وحركاتنا، من طريقة تعاملنا في المواقف الحياتية، وحتى طريقة ترتيبنا لمكعبات البازل منذ طفولتنا.

فالأم تقترب من طفلها الصغير، وتقدم له المكعب الأصفر هاتفةً بلونه، مع عدة أشياء ذات اللون الأصفر؛ كي يتعرّف ذهن الطفل على اللون الأصفر بمختلف أشكاله، وتتكون لديه فكرة في غاية الوضوح، وكذلك كل أمور حياتنا، نتعرف عليها بالتدريج حتى تتمكن منّا، وتضئ لنا فكرة جديدة!

فسقوط التفاحة من الشجرة، ألهمت نيوتن بالعديد من الأفكار، حتّى توصل لنظرية الجاذبية الأرضية، وكذلك قد يكون قراءتك لهذا المقال فرصةً لإستخراج الأفكار وتصنيفها، أو قد يساعدك في إنهاء تاسك خاص بك، قد يكون آخر كتابًا قرأته أو ورشة عمل حضرتها أو اجتماعك مع أصدقائك سببًا في إلهامك بالأفكار.

وكذلك الكتابة لها سحرها الخاص، وكل حرف بها وليد فكرة، ولكن لا تنخدع! فشتّان بين الكتابة، والكتابة الإبداعية، ودائمًا ما يصعب تعلّم كيفية الإبداع في الكتابة ما لم تكن هناك دوافع داخلية وشغف كبير يشتعل في ذهنك، ويحثّك على الكتابة دون توقف، واستخراج الأفكار من كل ثغرة حولك، ومحاولة استغلالها أفضل استغلال.

ولأن نمط الكتابة الإبداعية يرتبط بالخيال، ولأن خيالنا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقصص التي نسمعها من أمهاتنا أونشاهدها في حياتنا، لذا وجب التنويه على نمط كتابة القصص الروائية؛ لأنها تعتبر بداية خيط وصولك للإبداع في الكتابة، فإن الفكرة الجديدة ما هي سوى مجموع فكرتين قديمتين، وإضافة بعض التوابل لنخرج بفكرة أخرى مكمّلة لهما أو جديدة عنهما.

تخيّل معي عزيز القارئ الميديستاوي أنك داخل آلة زمنية تعمل على عكس كل الأمور تمامًا كما شاهدت بفيلم Tenet الأجنبي، وأنك تحاول معرفة الوسائل والأدوات التي آلت لكتابة تلك القصة أو ذاك المحتوى بمنتهى الإبداع، فأولى خطواتك ستكون معرفة هيكلة كتابة القصص، ثم تحليلها جيدًا، واستخراج كل الأفكار التي زرعها الكاتِب بقصته، حتى تصل لمُبتغاك.

يمكنك قراءة مقالنا عن الفيلم: كيف تُصبح كاتب مبدع على طريقة فيلم tenet العبقري؟

والآن بعد معرفتك لهيكلة كتابة القصص الروائية والحكايات، سيساعدك كثيرًا على تحليل كل قصة تقرأها، واستخراج الأفكار منها، وبالتالي فِهم آلية عمل العقول التي تتسم بالإبداع _ والتي من السهل اكتسابها _ ولكن عليك أن تتحلى بالمثابرة والرغبة في التعلّم والتطوير والتطبيق المستمر، ولا تتوقف مطلقًا عن الكتابة. 

ماهي الكتابة الإبداعية؟ 

 التعريف الأكاديمي للكتابة الإبداعية أنها أي كتابة تعبّر فيها عن أفكارك، وخواطرك، ومشاعرك، وعواطفك، لأن الفن دائمًا يكمن في الروحانيات الداخلية وصدق المشاعر، لذا فإن تحويل المشاعر لكلمات موهبة فطرية، ولكن بالممارسة والتطبيق يمكنك اكتسابها بسهولة.

وقد يبدو لك تعريف الكتابة الإبداعية تعريفًا عامًا يتخلله العديد من فنون الكتابة، والأحق بالذكر أن الفن الأقوى الذي يميّز كتابتك الإبداعية هي الجاذبية التي تجبرك على قراءة السطر الأول والسطر الأخير وما بينهما دون ملل أو كلل.

أهم 9 نصائح ميديستاوية سترافقك رحلتك الكتابية. 

  • اتبع نظرية Tenet وفكّر بطريقة عكسية، وعندما تخرج بفكرة إبداعية، فكّر بها ثانيةً ولكن بطريقة مقلوبة حتى تظهر لك فكرة إبداعية أخرى.
  • حاول أن تدمج بين الأمور التي لا علاقة لها ببعض، فمثلًا إن كنت تكتب لمركز أسنان وتبحث عن فكرة إبداعية، فتقول (طفل - أوسكار - سعادة)، تلك الكلمات العشوائية يمكنها أن تُنشئ حملة إعلانية بعنوان "أوسكار أفضل إبتسامة لطفلك".
  •  استخدم نظرية (كيف يمكن؟) حينما تكرر سؤال كيف يمكن، وتحاول الوصول إلى إجابة محددة، مع كل مرة تطرح السؤال يخطر بذهنك إجابة مختلفة، وبالتالي فكرة إبداعية مختلفة.
  • من أكثر الأسئلة التي تثير العقل وتحثه على التخيّل والإبداع هي أسئلة (ماذا لو؟)، فإذا كنت تبحث عن حل لمشكلةٍ ما، أو تحاول كتابة محتوى إبداعي عليك تخيل الأحداث، والحبكة الدرامية مع سؤال ماذا لو، ستجذب العديد من التخيلات.
  • استخدم (الخرائط الذهنية) في استهلال الأفكار، فمثلًا نقول "خدمات مركز الأسنان" تنقسم إلى " تقويم، تركيب طربوش، زراعة أسنان، تلميع، حشو، …" ومن تركيب الطربوش تنقسم إلى "بورسلين، زركونيوم، إيماكس" ومن البورسلين ينقسم إلى ثابتة ومتحركة، وهكذا.. فمع كل تقسيمة جديدة تظهر لك فكرة أخرى يمكنك استغلالها بشكل إبداعي.
  • العصف الذهني، و العصف الكتابي: من أشهر الطرُق التي تساعد على توليد الأفكار الإبداعية، فيمكنك الإجتماع بفريق العمل والبدء في جمع أكبر قدر من الأفكار؛ لأن الكم يولّد الكيف، واحذر من أن تحكم على أية أفكار، فالإبداع يكمن في الإختلاف.
  • استخدم جميع حواسك لتساعدك في توليد الأفكار، اطلق العنان لجميع خلايا جسدك وتحرر من القيود الفكرية، ثم تخيّل أن بفضاء الإبداع تطيرُ دون جاذبية، وأن كل أفكارك مقبولة، وكل كلماتك صحيحة، تخلّص من الخوف واستمتع بالحرية.
  • حينما تطرق بابك فكرة مذهلة، اجعلها تمر على تلك المراحل؛ لتصنع منها أفكارًا أكثر ذهولًا: بدّل - أضف - عدّل - غيّر - كبّر - صغّر - احذف - اقلب - أعِد الترتيب.
  • وأخيرًا عليك التعرّف على لغات التفكير السبع، وتعلّم أن تنوّع بينهم لتحظى بالإبداع: اللغة البصرية، اللفظية، الرقمية، المنطقية، التسلسلية، العاطفية، الفِكرية.

كيف تتغلب على قفلة الكتابة (creativity block) بخطوات مُجرّبة وعملية؟

دومًا ما يقابلنا نحن الكُتّاب عائقًا يسمى (قفلة الكتابة - Writer's Block or creativity block). وهي عبارة عن حاجز نفسي ذو أسباب عديدة، يجعلك تظن أنك خالي من الأفكار، وأنك على حافة الإنهيار والسقوط، وهي ظاهرة يمر بها كل كاتب من حين لآخر يمكنها أن تسبب لك عواقب سيئة إن لم تتخذ موقفًا وتتبع تلك الحلول التي سنعرضها عليك.

هذه القفلة لها أسباب عدّة، قد تكون بسبب الخوف أو التسويف أو القلق أو متلازمة الكمال أو الاكتئاب، عدم اختيار التوقيت الصحيح، أو الكتابة دون خوض مرحلة البحث، ويمكنك الإطّلاع على مقال (5 خطوات تسبق كتابة المحتوى) للتعرف على خطوات البحث التسويقي. إليك 10 نصائح ستساعدك في التغلب على قفلة الكتابة:

1- اطلق العَنان لأفكارك، وحاول كتابة كل الأفكار التي تخطر ببالك على ورق في شكل أعمدة 

2- التغذية البصرية عن طريق مشاهدة الحملات الإعلانية التي سبق نشرها، ويمكنك متابعتها من Ads of the world أو من Pinterest  أو من موقع ميديستا، وكذلك يمكنك الاحتفاظ بكراسة الرسم الخاصة بك، ورسم كل الأفكار التي تخطر بذهنك فورًا.

3- تخلّص من خوفك وقلقك، ابتعد قليلًا عن مشروعك واستمتع بصفاء ذهنك، قم بالتفكير في أي أمرٍ آخر، واسترِح تمامًا حتّى تتخلص من التوتر.

4- راجع كتاباتك السابقة، أو مشروعاتك القديمة، اقرأها بصوتٍ عالٍ، وتذكّر أن هذا الإبداع انت صاحبه، وأن بإمكانك تكرار الإبداع مئات المرات وتحويل كل الأفكار لكتابات مذهلة.

5- تَنَاقَش مع أشخاص مختلفين، احضر ورش عمل إبداعية، أو تبادل الأفكار مع أصدقائك، فإنها طرق فعّالة للإلهام، ورؤية الأمور بزوايا أخرى.

6- توقّع كل ما هو غير مُتوَقع، واستغل كل فكرة تطرأ لذهنك.

7- استكشف تخصصات إبداعية أخرى، فإن الإلهام يكمن في كل مكان وكل زمان، تأمل بص إبداع الرسامين، المصممين، الكُتّاب، المصورين والطباعة والأزياء والأفلام، وتأمّل كل ماهو إبداعي.

8- كُن استثنائيًا وعشوائيًا، حيث قالت الروائية المبدعة چوانا باسفورد، بإن أفضل الأفكارغالبًا تأتي عند القيام بمهام عشوائية تمامًا، وتدوين وتصور كل الأمور التي تلفت انتباهك، لأنها حتمًا ستساعدك في الالهام وبالتالي الكتابة الإبداعية.

9- تَنَفس، شهيق، زفير، تخلص من التوتر، عليك رؤية الأمور بمنظور جديد الآن، فيمكن لبعض الحروف المقلوبة في ورقةٍ ما أن تلهمك بفكرة إبداعية مثيرة للإهتمام.

10- ابتكرت المصورة چيسيكا هيشي سجادة مطبعية لـ استوديو خاص بها، وجمّعت كل صورها وإنجازاتها ثم أصبحت تنام كل ليلة على تلك السجادة، وتقول أن تلك الحركة المجنونة ساعدتها كثيرًا في الإلهام؛ لأنها أصبحت ترى أعمالها أمام أعينها طوال الوقت.

تلك الحلول يمكنها مساعدتك للتغلب على مشكلة الـ Writer's Block، وعدم الاستسلام لها. نتمنى أن يكون هذا المقال قد ساعدك في عملية الكتابة الإبداعية، وفهم آلية العقل، وكذلك التغلب على قفلة الكتابة، ومعرفة لغات التفكير.

إن كنت قد تعرضت لقفلة الكتابة وتغلبت عليها، اترك لنا تعليقًا وشاركنا قصتك في التغلّب على تلك المشكلة بطريقتك الخاصة.

سنقدم لك مهمة بسيط يمكنك كتابتها في تعليق أسفل المقال، كنوعٍ من تدريب الذات على الكتابة الإبداعية.
المهمة هي: (أنت رغيف خبز، تحدّث عنك في سطور بسيطة).

دُمت مُبدِعًا أيها الميديستاوي المتألق.